في (ميرين) المنطقة التي اقيم فيها حاليا بجنيف، ولدت الكاتبة السويسرية ايزابيل ابرهارد في ۱٨۷۷. كانت في السجلات الرسمية ابنة القس الأرمني الكسندر تروفيموسكي. لكنها في الواقع ابنة الجنرال الروسي كارلوفيتش الا ان والدتها انفصلت عنه بعد خصام طويل عنه وتركت على أثره روسيا مع أطفالها، وبدأت تقيم في فيللا تروفيموسكي بميرين.
تؤكد الكاتبة الفرنسية فرانسواز دوأوبون، أن والد ايزابيل هو الشاعر المعروف رامبو، وليس الجنرال الروسي الآنف الذكر. دليلها على ذلك التشابه الكبير بين ملامحهما، اضافة أن اسم (ايزابيل) هو في الوقت نفسه اسم شقيقة رامبو الذي كان متعلقا بها الى درجة كبيرة، كذلك الجملة الواردة في أحد كتبها ((. . أنا أيضا سأموت مسلمة مثل أبي)) حيث يقال ان رامبو بعد رحلة ضياعه في وادي النيل قد اعتنق الاسلام.
عاشت ايزابيل في منزل متبنيها مسيو تروفيمسكي في حديقة تحتوي على ازهار نادرة، حيث كبرت في وسط ثقافي روسي وألماني وفرنسي كان تحتدم فيه كل مساء مناقشات لا تنتهي في القضايا الفلسفية. وفي هذه الحقبة من حياتها، ازداد اهتمامهما بالمصادر التي تتحدث عن الاسلام ؟. .
في البداية تركت أختها الكبيرة أولغا ابرهارد منزل العائلة بعد أن فرت مع ضابط. كما انتحر أخوها فلاديمير منتحرا بالغاز. وظلت ايزابيل وحيدة عائلتها. عن تلك الفترة من حياتها يكتب أحد اصدقاء عائلتها، " كان تراموفمسكي يمتدح لي دائما أزهار حديقته. في يوم قررت زيارته. في الحديقة رأيت صبيا ضخما يبلغ السادسة عشرة. لم استطع التعرف عليه، لكن مسيو تراموفيمسكي مالبث أن عرفني عليه قائلا:اعرفك ياعزيزي بأبنتي ايزابيل ابرهارد. انها تفضل الملابس الرجالية لأنها تعتقد انها تتجول بفضلها بسهولة في المدينة. . "
مالبثت ايزابيل أن تركت هي الأخرى المنزل العائلي، ولم تعرف عائلتها مكانها الا بعد ان تلقت رسالة منها من (سيدي بلعباس)، ذكرت فيه أنها التحقت بالفيلق الفرنسي في شمال أفريقيا، وتذكر فيها أنها بدأت بتعلم اللغة العربية. وفي مايس ۱٨٩۷ لحقت بها أمها التي رأت ابنتها تعيش في مجتمعها الجديد كرجل. لم تستطع امها أن تجاري ابنتها في التكيف مع حياتها الجديدة فماتت كمدا وهي تستعد للعودة الى وطنها. . قامت ايزابيل على اثر ذلك بالعودة الى أوربا وحاولت ان تستقر فيها ولكن دون جدوى. فالشوق الجارف الى الصحراء ظل يلفح كيانها. لم تستطع أن تجد السكينة والهدوء لروحها المحاصرة بالتساؤلات الا في العودة الى رحاب العربية ووعائها الاسلام. أختارت لنفسها بعد ان درست الاسلام بعمق الطريقة (القادرية). تزيت بزي الرجال وسمت نفسها (محمود السدي) وقد اطلق عليها مريدو الطريقة القادرية لقب (باز الاسلام).
في ۲٩ كانون الثاني ۱٩۰۱ نصب ابو احمد رئيس الطريقة التيجانية التي تعادي الطريقة القادرية، كمينا لمجموعة من الخيالة، كانت ايزابيل ضمنها فجرحت جرحا بليغا لكنها نجت من الموت بعد عملية جراحية ناجحة في مستشفى (العويد). فوجيء حاكم المحكمة العسكرية الذي كان يتوقع أن يرى أمامه فتاة أوربية تتهم الجاني بشتى النعوت والتهم، فوجيء بالمجني عليها تدافع بحماس عن الجاني المتطرف وعن الاسلام. قطعا لم يرض ذلك الحاكم الفرنسي الذي حكم على المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة، وابعاد ايرابيل عن الجزائر. في مرسيليا فكرت ايزابيل (محمود السدي) بالعودة ثانية الى الجزائر، ولم يكن أمامها من سبيل الى ذلك الا الزواج فتزوجت في ۱٩۰۱ وأصبح اسمها (ليلى محمودة). لأنها كانت تدرك أن سبيل العودة الى الجزائر هو في الزواج من فرنسي. فوجدت ضالتها في سليمان أهني الجزائري المسلم الذي يحمل الجنسية الفرنسية. وبذلك عادت الى جنتها الموعودة في الصحراء الجزائرية التي اخذت تنطلق فيها خببا على ظهر جوادها.
عن زواجها كتبت سيمون دوبفوار((. . عندما تزوجت ايزابيل التي انطلقت الى الصحراء بزي الرجال على ظهر جوادها، لم تشعر بعدم الاحترام تجاه ذاتها. من الصعب القول لماذا اختارت ايزابيل هذا الزي. قد يكون أن ذلك قد راق لها أو اعتمدته للدفاع عن نفسها. أن الزي الرجالي قياسا الى الزي النسائي شيء مصطنع، لكنه قياسا الى الزي النسائي اكثر راحة. جورج صاند مثلا، كانت مثل ايزابيل ترتدي ملابس الرجال. .))
الكاتب ميشيل تورنير شبهها بأندريه جيد اكثر من رامبو ((كان جيد قد أحب في نفس المرحلة تلك الأرض وأولئك البشر مثلها. لكنه لم يحقق ما حققته. فهو لم يتعلم العربية، ولم يعلن اسلامه. كما أنه لم يقترب من ثراء الحضارة العربية انطلاقا من صحاريه))ا
في يوم مطير في قرية(عين صفرة) التي تقع وسط منطقة صحراوية قاحلة بالجزائر من خريف ۱٩۰٤، ماتت ايزابيل بعد أن سقط عليها سقف المنزل الذي لجأت اليه اتقاء من المطر، لتموت بعد ثلاث سنوات من تعرضها للموت في نفس المنطقة على ايدي التيجانيين. وحينما رفعوا أكوام التراب عن جسده فوجئ رواد الطريقة القادرية، بأنهم يحملون جسد امرأة .
تركت بعد حياتها القصيرة الحافلة سبعة كتب منها: في ظلال الاسلام الدافئة، صفحات من الاسلام، قصص وفصول، الفوضوي، المتشرد.
لولا الحركة النسائية التي تفجرت في ۱٩٦۰ وحديث الكاتبة فرانسواز دوأوبون عنها لما تذكرها أحد.
في كتابها (ياسمينا ـ ۱٩۰۲) تبدو وكأنها تتحدث عن نفسها ((كبرت في منطقة مميتة، في زمن ضائع تتهادى فيه الأرواح السرية. مرت طفولتها هنا، في بيت تهدم مدخله. بقي ماضيها الذي لم تعرفه بين الركام. خيارها الوحيد: قدرها والأحلام. كانت ياسمينا لا بيدوين، الفتاة الحرينة والغريبة الأطوار الوحيدة بين زميلاتها.()
وفي (بكاء أشجار البادو ـ ۱٩۰٣) ((بوـ سادو، كانت تعيش في قصر جران حديقتها مغطاة بالزهور البنفسجية. كانت ترقد فوق الحصى البيضاء بينما كان طرفها الأخر ترقد مثل أزهار حلمية على الجدار. كانت أشجار بوـ سادو تفتح عيونها البيض كلما هبت الرياح. وكانت عبقها الجميل يحول الجو الى حزن جذاب وآخاذ. .))
وفي الطيران الرأسي ـ ۱٩۰٣ تقول ((تحول كل شيء في الجزائر بالنسبة لها الى تمرد وتبرم. الجو هاديء للغاية. الشمس محرقة، أما الرياح فكانت تهب باستمرار. كان البشر قد تحولوا الى بياض. أما النباتات فكانت ذات خضرة غريبة. كانت تعاني من مشاعر غريبة لا يمكن تفسيرها. ولكنها كانت تحس به. في صباح ما سيتوقف هذا المطر وتشرق الشمس في ربيع شتاء غامق، ستشرق في زرقة غامقة نظيفة. .)).
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق