الرحلة الصوفية لإيزابيل ابرهات
الأديبة ايزابيل ابرهارت كاتبة سويسرية من أصل روسي حملت الجنسية الفرنسية من خلال زواجها وهي من مواليد عام 1877 في مدينة جنيف وتوفيت عام 1904 في الجزائر.
أخذت إيزابيل منذ سنوات شبابها الأولى مسافة عن الأوروبيين وعن الحضارة الأوروبية وقررت العيش كـ «مسلمة» بل وتنكّرت بزيّ رجل بدوي. بعد وفاة والدتها، عاشت لمدة أشهر عديدة متنقّلة من مكان إلى آخر ثم قابلت رجلا مسلما اسمه سليمان وكان يحمل الجنسية الفرنسية. لقد تزوجته واكتسبت بذلك جنسيته مع أن السلطات الفرنسية كانت تشك أنه «جاسوس ».طردوها من الجزائر عبر نزاع بين مجموعات صوفية لكنها عادت إليها بصفتها «فرنسية الجنسية» وعملت لفترة من الزمن كصحفية في جريدة «الأخبار». وعندما كانت في محلّة «وادي صفرا» الجزائرية الواقعة بالقرب من الحدود المغربية لـ «تغطية» أحداث كانت تجري هناك فاض النهر القريب واجتاح المدينة.
لقد عثروا على الزوج حيا ولكن إيزابيل توفيت إذ لم تستطع الهرب بسبب إصابتها آنذاك بمرض الملاريا. نشرت إيزابيل العديد من الأعمال من بينها «جنوب مدينة وهران» و«صفحات من الإسلام» و«في الظل الدافئ للإسلام»و«في بلاد الرمال». أعمالها الكاملة جرى نشرها في نهاية عقد الثمانينات الماضي. تجدر الإشارة إلى أن سيرة حياتها كانت موضوعا لحوالي عشرة كتب.
الكتاب الجديد في عمقه محاولة للإجابة على السؤال التالي: »ما الذي دفع فتاة أرستقراطية من جنيف كي تدير ظهرها للحضارة الغربية كي تلج دروب مغامرة لا تعود منها في قلب التصوّف الإسلامي«؟
المؤلفان، وبالاعتماد على ما كتبته إيزابيل ابرهارت نفسها والذي يزيد على 2000 صفحة يحاولان الإجابة على هذا السؤال عبر اقتفاء آثار مسيرتها «الروحانية» مرحلة بعد مرحلة. ومن خلال عملية التقصّي هذه يلقيان الأضواء على النقاط الأساسية التي تشكّل «الانسجام الداخلي» لتلك المسيرة كلها، والمصادر «قوة» صاحبتها. بدأت ايزابيل ابرهارت رحلتها «الصوفية» انطلاقا من «تجربتها الداخلية» في إحدى المناطق الجزائرية. لقد بدأت تلك التجربة كـ «طالبة للمعرفة» أو كـ «ساعية للبحث عن المعنى».
ومن خلال مثل تلك التجربة وجدت نفسها منخرطة في محاولة التعرّف على الإسلام حسبما عاشه معتنقوه في بداياته ودفعها ذلك إلى حالة من التأمل. وينقل عنها المؤلفان بهذا الخصوص قولها في وصفها لتلك الحالة: «أن يكون المرء سليم الجسد وصافيا من كل دنس بعد الاستحمام بالماء العذب البارد، وأن يكون بسيطا ومؤمنا لا يرقى إليه الشك ولا يحتاج للنضال ضد نزواته وأن ينتظر دون خشية وبصبر لا ينفد ساعة الخلود الأكيدة».
ويؤكد المؤلفان أن ايزابيل ابرهارت لم تكتف فقط باتخاذ مواقف مؤيدة للمسلمين الذين أقامت بينهم في جنوب الجزائر ضد السلطات الاستعمارية ولكنها «التحقت بهم أيضاً في التزامهم الروحاني». لقد وقفت باختصار «قلبا وقالبا» مع أولئك الذين رفضهم المجتمع الاستعماري و«تبعتهم» في كل ما يقرّبها منهم.
وفي مدينة «الواد»، «وادي سوف» بجنوب الجزائر التقت ايزابيل بالرجل المسلم الذي أمضت بقية حياتها معه عندما كان جنديا في الجيش الفرنسي بشمال إفريقيا. لقد تزوجت منه بعد قراءة «الفاتحة» حسب الطقوس الإسلامية. كان زواج أوروبية بأحد أبناء البلد الأصليين بمثابة «فضيحة» آنذاك. لذلك لم توافق السلطات العسكرية الفرنسية على زواجهما «مدنيا».
بل وصدرت التوجيهات لإيزابيل ابرهارت كي تغادر الجزائر على أساس أن طريقتها في العيش وترددها على الإخوانيات الصوفية، يثيران الحذر والتشوش. لقد جرى نفيها إلى مدينة مرسيليا لمدة عام، لكنها استطاعت أن تتزوج سليمان «مدنيا» في عام 1901، وعاد «الزوجان» إلى الجزائر عام 1902. كانت ايزابيل ابرهارت قد أخذت اسم «محمد سعدي» ثم استعادت اسمها الحقيقي بعد الزواج كي تعيش كإحدى نساء الجنوب الجزائري المسلمات.
وكانت قد حرصت على أن تبقى وفية له باستمرار على قاعدة المبادئ التي تؤمن بها. لقد عاشت له ولتجربتها الروحانية. وتدل الكتابات المنقولة عنها أنها عاشت تلك التجربة كنوع من التفجر بداخلها . وهذا ما عبرت عنه هي نفسها بالقول: أحسست بسمو لا اسم له يحمل روحي نحو مناطق مجهولة من النشوة. لقد بدأت ايزابيل ابرهارت تجربتها الروحانية بنوع من «الإحساس الغامض» ثم استمرت في الذهاب بعيدا بحثا عنه وصولا إلى «حالة تصوف عميقة».
ويؤكد المؤلفان في هذا السياق اعتمادا على عدة مؤشرات وكتابات للمعنية أنها «تتلمذت» أيضاً على يد عدد من المتصوفين المسلمين الكبار الذين «أرشدوها على الطريق». كذلك يتم التأكيد على أنها اكتسبت مستوى عاليا من «المعرفة» و«الممارسة» الصوفيتين. ولكن لم يكتب لتلك التجربة أن تذهب بعيدا فقد توفيت ايزابيل ابرهارت وهي في السابعة والعشرين فقط من عمرها. لقد هلك جسدها أما «روحها فقد تسامت». هكذا يتم وصف رحلتها التصوفية.
نبذ الحضارة المادية
يعيد الكتاب أحد الأسباب العميقة للتوجه «التصوفي» لدى ايزابيل ابرهارت إلى رغبتها في نبذ الحضارة الغربية «المادية» ذات «الطابع الاستعماري»، لاسيما أنه كان قد زاد في غربتها واقع أنها لم تعرف أباها أبدا. هكذا قررت الذهاب لاكتشاف أهل الجنوب الذين سيصبحون بعد ذلك أبطال كتاباتها. وعبر هذا الاكتشاف، اكتشفت أيضاً «الثقافة والمعتقد الإسلاميين».
المؤلفان في سطور
مؤلفا هذا الكتاب ماري اوديل دولاكور و جان رونيه هولو هما أخصائيان بسيرة حياة وأعمال ايزابيل ابرهارت. سبق لهما وأنجزا عدة كتب عنها من بينها: حب الجزائر و رمال . وقد أشرفا معا على إعادة نشر مجمل أعمال إيزابيل ابرهارت. كانا قد عملا طيلة عشرين عاما على اكتشاف خبايا سيرة حياة «بطلتهما».
الكتاب: الرحلة الصوفية لإيزابيل ابرهارت
تأليف: ماري اوديل دولاكور جان رونيه هولو
الناشر: جزويل لوسفيلد باريس 2008
الصفحات: 264 صفحة
الأديبة ايزابيل ابرهارت كاتبة سويسرية من أصل روسي حملت الجنسية الفرنسية من خلال زواجها وهي من مواليد عام 1877 في مدينة جنيف وتوفيت عام 1904 في الجزائر.
أخذت إيزابيل منذ سنوات شبابها الأولى مسافة عن الأوروبيين وعن الحضارة الأوروبية وقررت العيش كـ «مسلمة» بل وتنكّرت بزيّ رجل بدوي. بعد وفاة والدتها، عاشت لمدة أشهر عديدة متنقّلة من مكان إلى آخر ثم قابلت رجلا مسلما اسمه سليمان وكان يحمل الجنسية الفرنسية. لقد تزوجته واكتسبت بذلك جنسيته مع أن السلطات الفرنسية كانت تشك أنه «جاسوس ».طردوها من الجزائر عبر نزاع بين مجموعات صوفية لكنها عادت إليها بصفتها «فرنسية الجنسية» وعملت لفترة من الزمن كصحفية في جريدة «الأخبار». وعندما كانت في محلّة «وادي صفرا» الجزائرية الواقعة بالقرب من الحدود المغربية لـ «تغطية» أحداث كانت تجري هناك فاض النهر القريب واجتاح المدينة.
لقد عثروا على الزوج حيا ولكن إيزابيل توفيت إذ لم تستطع الهرب بسبب إصابتها آنذاك بمرض الملاريا. نشرت إيزابيل العديد من الأعمال من بينها «جنوب مدينة وهران» و«صفحات من الإسلام» و«في الظل الدافئ للإسلام»و«في بلاد الرمال». أعمالها الكاملة جرى نشرها في نهاية عقد الثمانينات الماضي. تجدر الإشارة إلى أن سيرة حياتها كانت موضوعا لحوالي عشرة كتب.
الكتاب الجديد في عمقه محاولة للإجابة على السؤال التالي: »ما الذي دفع فتاة أرستقراطية من جنيف كي تدير ظهرها للحضارة الغربية كي تلج دروب مغامرة لا تعود منها في قلب التصوّف الإسلامي«؟
المؤلفان، وبالاعتماد على ما كتبته إيزابيل ابرهارت نفسها والذي يزيد على 2000 صفحة يحاولان الإجابة على هذا السؤال عبر اقتفاء آثار مسيرتها «الروحانية» مرحلة بعد مرحلة. ومن خلال عملية التقصّي هذه يلقيان الأضواء على النقاط الأساسية التي تشكّل «الانسجام الداخلي» لتلك المسيرة كلها، والمصادر «قوة» صاحبتها. بدأت ايزابيل ابرهارت رحلتها «الصوفية» انطلاقا من «تجربتها الداخلية» في إحدى المناطق الجزائرية. لقد بدأت تلك التجربة كـ «طالبة للمعرفة» أو كـ «ساعية للبحث عن المعنى».
ومن خلال مثل تلك التجربة وجدت نفسها منخرطة في محاولة التعرّف على الإسلام حسبما عاشه معتنقوه في بداياته ودفعها ذلك إلى حالة من التأمل. وينقل عنها المؤلفان بهذا الخصوص قولها في وصفها لتلك الحالة: «أن يكون المرء سليم الجسد وصافيا من كل دنس بعد الاستحمام بالماء العذب البارد، وأن يكون بسيطا ومؤمنا لا يرقى إليه الشك ولا يحتاج للنضال ضد نزواته وأن ينتظر دون خشية وبصبر لا ينفد ساعة الخلود الأكيدة».
ويؤكد المؤلفان أن ايزابيل ابرهارت لم تكتف فقط باتخاذ مواقف مؤيدة للمسلمين الذين أقامت بينهم في جنوب الجزائر ضد السلطات الاستعمارية ولكنها «التحقت بهم أيضاً في التزامهم الروحاني». لقد وقفت باختصار «قلبا وقالبا» مع أولئك الذين رفضهم المجتمع الاستعماري و«تبعتهم» في كل ما يقرّبها منهم.
وفي مدينة «الواد»، «وادي سوف» بجنوب الجزائر التقت ايزابيل بالرجل المسلم الذي أمضت بقية حياتها معه عندما كان جنديا في الجيش الفرنسي بشمال إفريقيا. لقد تزوجت منه بعد قراءة «الفاتحة» حسب الطقوس الإسلامية. كان زواج أوروبية بأحد أبناء البلد الأصليين بمثابة «فضيحة» آنذاك. لذلك لم توافق السلطات العسكرية الفرنسية على زواجهما «مدنيا».
بل وصدرت التوجيهات لإيزابيل ابرهارت كي تغادر الجزائر على أساس أن طريقتها في العيش وترددها على الإخوانيات الصوفية، يثيران الحذر والتشوش. لقد جرى نفيها إلى مدينة مرسيليا لمدة عام، لكنها استطاعت أن تتزوج سليمان «مدنيا» في عام 1901، وعاد «الزوجان» إلى الجزائر عام 1902. كانت ايزابيل ابرهارت قد أخذت اسم «محمد سعدي» ثم استعادت اسمها الحقيقي بعد الزواج كي تعيش كإحدى نساء الجنوب الجزائري المسلمات.
وكانت قد حرصت على أن تبقى وفية له باستمرار على قاعدة المبادئ التي تؤمن بها. لقد عاشت له ولتجربتها الروحانية. وتدل الكتابات المنقولة عنها أنها عاشت تلك التجربة كنوع من التفجر بداخلها . وهذا ما عبرت عنه هي نفسها بالقول: أحسست بسمو لا اسم له يحمل روحي نحو مناطق مجهولة من النشوة. لقد بدأت ايزابيل ابرهارت تجربتها الروحانية بنوع من «الإحساس الغامض» ثم استمرت في الذهاب بعيدا بحثا عنه وصولا إلى «حالة تصوف عميقة».
ويؤكد المؤلفان في هذا السياق اعتمادا على عدة مؤشرات وكتابات للمعنية أنها «تتلمذت» أيضاً على يد عدد من المتصوفين المسلمين الكبار الذين «أرشدوها على الطريق». كذلك يتم التأكيد على أنها اكتسبت مستوى عاليا من «المعرفة» و«الممارسة» الصوفيتين. ولكن لم يكتب لتلك التجربة أن تذهب بعيدا فقد توفيت ايزابيل ابرهارت وهي في السابعة والعشرين فقط من عمرها. لقد هلك جسدها أما «روحها فقد تسامت». هكذا يتم وصف رحلتها التصوفية.
نبذ الحضارة المادية
يعيد الكتاب أحد الأسباب العميقة للتوجه «التصوفي» لدى ايزابيل ابرهارت إلى رغبتها في نبذ الحضارة الغربية «المادية» ذات «الطابع الاستعماري»، لاسيما أنه كان قد زاد في غربتها واقع أنها لم تعرف أباها أبدا. هكذا قررت الذهاب لاكتشاف أهل الجنوب الذين سيصبحون بعد ذلك أبطال كتاباتها. وعبر هذا الاكتشاف، اكتشفت أيضاً «الثقافة والمعتقد الإسلاميين».
المؤلفان في سطور
مؤلفا هذا الكتاب ماري اوديل دولاكور و جان رونيه هولو هما أخصائيان بسيرة حياة وأعمال ايزابيل ابرهارت. سبق لهما وأنجزا عدة كتب عنها من بينها: حب الجزائر و رمال . وقد أشرفا معا على إعادة نشر مجمل أعمال إيزابيل ابرهارت. كانا قد عملا طيلة عشرين عاما على اكتشاف خبايا سيرة حياة «بطلتهما».
الكتاب: الرحلة الصوفية لإيزابيل ابرهارت
تأليف: ماري اوديل دولاكور جان رونيه هولو
الناشر: جزويل لوسفيلد باريس 2008
الصفحات: 264 صفحة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق