معركة بني أسمير

وقائع هذه المعركة جرت خلال شهر أوت سنة 1960،بين قوة لجيش التحرير الوطني ضد العدو, نستعرض مراحلها من خلال هذا التحقيق الذي أجريناه بعين المكان .

الموقع والتاريخ:
عرف جبل بني أسمير مثل بقية جبال الوطن الشماء معارك بطولية ضد العدو إبان الثورة التحريرية.ومن ضمنها هده المعركة الكبرى التي جرت أحداثها خلال شهر أوت من عام 1960.
و الجبل المذكور, هو حلقة في سلسلة جبال الأطلس الصحراوي التي يمتد عمقها غربا حتى داخل التراب المغربي وشرقا باتجاه جبال عمور بنفس السلسلة ويحتل الجبل موقعا استراتيجيا هاما بالمنطقة, بحيث يمكن منه الاطلاع على ما يجري بالجهة ومراقبة أي تحرك في الجهة المجاورة, والى مسافات بعيدة ونظرا لموقعه الهام ولأهميته من الناحيتين الاستراتيجية و الطبيعية فقد كان كأحد أهم المراكز لجيش التحرير الوطني مند انطلاق الثورة, ومصدر انطلاق أفواج المجاهدين و المجاهدات لتنفيذ المهام القتالية و التخريبية لمنشآت العدو الحيوية بالناحية .
و الجبل صخري يتوفر على غطاء طبيعي جيد إلى حد ما, بفضل النباتات الصحراوية التي تعطي جوانب منه كالعرعار و الكروش و الصخور, وهدا عبر سفح الجبل ومنحدراته وخاصة في الجانب الغربي منه وفي الهضبة المواجهة من الناحية الجنوبية الشرقية يمر الطريقان الرئيسيان بالجهة و هما الطريق الوطني الرابط ما بين مدن الشمال الغربي من الوطن و مدينة بشار, و الآخر خط السكة الحديدية الذي يربط هو الآخر مدن الشمال الغربي و الجنوب الغربي من الوطن .
وحسب التقسيم الإداري الحالي, يقع الجبل ضمن تراب بلديتي جنين بورزق بدائرة العين الصفراء ولاية النعامة,وبلدية بني ونيف بولاية بشار. أما خلال الثورة التحريرية. فكان الجبل يقع بالقسم الرابع من الناحية الثانية المنطقة الثامنة, الولاية الخامسة .

وحدة جيش التحرير الوطني:
تتشكل وحدة جيش التحرير الوطني, التي خاضت هده المعركة من كتيبة كوماندو الناحية ومجموع أفرادها 66 مجاهد .
والقوة مهيكلة في فرقتين تتوزع القيادة فيهما على النحو التالي :
- الشهيد قراوي محمد قائد الكوماندو (وهو من ناحية جيجل وقد فر من صفوف العدو بالناحية في وقت سابق).
- الشهيد قادة بن يونس ولد أحمد النائب الأول لقائد الكوماندو .
- الطاهر كيحل, النائب الثاني لقائد الكوماندو .
- ندومي محمد قائد فرقة .

تسليح قوة الكوماندو:
كانت قوة الكوماندو مسلحة تسليحا عاديا (تناسب مهمات الوحدة) كما كان بحوزتها أيضا قطعتان جماعيتان من نوع, م/ج 34 و م/ج 44 و الباقي بنادق فردية آلية, وقنابل يدوية .

قوة العدو:
تفيد شهادات الاخوة المجاهدين التي تحصلنا عليها أثناء جمع مادة التحقيق بالمنطقة,سواء من الدين حضروا وقائع المعركة أو الدين كانوا بالقرب من منطقة العمليات على أن العدو قد شارك في هده المعركة بعدة كتائب من مختلف تشكيلات القوات البرية, وخاصة فرق المظليين. وتدعم هذه الكتائب بطاريات مدفعية الميدان و أسراب من الطائرات الحربية المختلفة من نوع ب 26 و ب 29 و الجاغوار و ث,س والكشافات هدا فضلا عن أسراب أخرى من الطائرات العمودية من نوع (بنان) بقيادة طائرة (قيادة و توجيه) من نوع (لالويت).

الحالة العامة بالجهة قبل المعركة:
تميز الوضع بالناحية خلال الفترة السابقة للمعركة بتسجيل عدة نشاطات عسكرية لجيش التحرير الوطني, وقد تمثل هدا النشاط في نصب كمائن لقوافل العدو ودورياته, وفي اشتباكات متباينة على مستوى تراب الناحية الثانية من المنطقة الثامنة . وكان من أبرز هذه النشاطات العسكرية هي تلكم المعركة الكبرى التي قام بها الفيلق الثالث الميداني الذي كان يتولى قيادته آنذاك الشهيد جميلى علي . ودامت هذه المعركة يوما كاملا , كما جرت وقائعها قبل ذلك بثلاثة أيام فقط من وقوع هذه المعركة وفي مكان لا يبعد كثيرا عن المكان الذي ستجرى فيه هذه المعركة و قد انسحب جنود الفيلق بما معهم من الجرحى, واتجهوا نحو المكان المعروف (بالعرجة) بنفس السلسلة الجبلية. وتمركزوا هناك لاعادة تنظيم أمورهم...أما العدو فقد ظل بميدان العمليات ولم يبرحه إطلاقا . وقام بعملية خداع و تضليل, حيث تظاهر بأنه يقوم بإخلاء الميدان و الاستعداد لمغادرته و الرجوع إلى مراكزه المنتشرة بالجهة . لكن تبين فيما بعد وبعد انتهاء المعركة, أن عملية الإخلاء كانت مجرد خطة ماكرة تبنتها قيادة العدو,في محاولة يائسة لرد الاعتبار لهيبة الجيش الفرنسي الذي تلقى ضربة قاسية على يد جنود جيش التحرير الوطني, وللرفع من معنويات عساكرها التي استولى عليها الرعب وتمكن منها اليأس, وكانت أبرز ملامح هذه الخطة الماكرة والمظللة هي :
- التظاهر بإخلاء ميدان العمليات, وهذا بتجميع الجنود و العتاد وإشعال النار فيما أصبح لا حاجة لهم به.
- الرصد الدقيق لتحرك المجاهدين و تتبع خط سيرهم , و التأكد من مكان تمركزهم, وقد تمكن من تحقيق غاياته بفعل عوامل كثيرة, لعل أهمها كثرة وسائله بالناحية, و الأرض المكشوفة التي تنتقل عبرها جنود فيلق جيش التحرير بعد انسحابهم من ميدان القتال.
وبينما الأمور تجري على هذه الصورة, إذا بالأوامر تصدر من قيادة الولاية وتصل لقيادة الكوماندو, تأمره بتنفيذ هجوم مركز و مباغت ضد مركز للعدو كان في طور الإنجاز يدعى (تشطوفت) ويقع ما بين جبلي مزى وبني أسمير و اللدين يقعان على نفس الخط و الاتجاه. على ضوء هدا الأمر قامت قيادة قوة الكوماندو بوضع خطة الهجوم على المركز واعتماد بدائل للخطة في حالة ما إذا حدث تطور مفاجئ . ثم شرعت في تنفيذ الخطوة الأولى في هذه المهمة العظيمة التي تمثلت في تحرك القوة في اتجاه الهدف المحدد من مكان تمركزها بعين بن مهدي التي تقع طرفي جبل بني أسمير بالجانب الغربي منه, وكان تنقلها طبعا في بداية الليل. وفي حدود الساعة الثانية صباحا كانت القوة قد وصلت لنقطة ما بالجبل تدعى (قورسيفان) فتمركزت هناك ولما كان تنقل الوحدة ليلا فقد تعذر عليها استطلاع الحالة بالجهة و التأكد من عدم أي تواجد للعدو بها, لكن لسوء حظهم فقد كان الوضع عكس ما كانوا يتوقعون أو يرغبون. لقد قامت قوة العدو في وقت سابق بالنزول في هذه النقطة المميزة وانتشرت عبر ثناياها, واستعملت ما بالمنطقة من موانع طبيعية لاخفاء تواجدها, وظلت هكذا في انتظار ما قد يحدث من تطورات بعد طلوع النهار . أما جنود جيش التحرير فقد استراحوا قليلا, ثم اتخذوا الاحتياطات العادية و الضرورية قبل أن تنشر الشمس أشعتها اللافحة على أرجاء المنطقة. وذلك بتقسيم عناصر القوة إلى أفواج. وانتشار هذه الأفواج في المواقع المناسبة وبعدها استعدوا لتناول قهوة الصباح , وبينما الجنود منهمكون في تحضير القهوة, قام قائد الكوماندو الشهيد قراوي محمد بفتح المذياع الذي كان معه فالتقط إشارة كانت مرسلة من قائد قوة العدو, يطلب فيها من قيادته إمداده بقوات أخرى على وجه السرعة. فلفت ذلك نظر قائد قوة المجاهدين , لكن لم يتبين حينها مصدر و لا مكان الاشارة المرسلة. وعلى سبيل الاحتياط حمل نظارة الميدان وقام بمسح المنطقة وما يجاورها لكنه لم يتضح له أي شيء, وهكذا تواصلت الأحداث إلى غاية منتصف النهار .
و الحقيقة المرة هي : أن العدو المختبئ بالناحية و الذي أعد كمينا محكما قد علم بتواجد جيش التحرير بمنطقة عملياته منذ أن حل بها ليلا لكنه فضل عدم إطلاق النار عليهم إلا في الوقت المناسب أو الذي قد يفوت عليه الفرصة المناسبة للافتكاك بهم . وعلى أية حال فقد ظلت القوتان فترة من الوقت وجه لوجه و المسافة بينهما لا تتعدى 200م.

بداية المعركة:
في حدود الساعة الثانية عشر زوالا طلب قائد قوة الكومندو , الشهيد قراوي محمد إعداد , وتحضير طعام الجنود لليوم التالي , تحسبا لأي تطورات محتملة و في هذا الإطار قامت مجموعة من المجاهدين مكونة من ستة أفراد بمهمة جلب المؤن اللازمة . وذلك بالانتقال إلى مخابئ التموين الموجودة بالجهة ولكن لسوء حظهم فقد كانت أقرب المخابئ لهم توجد في منطقة عمليات العدو ولما كانوا يجهلون تواجد العدو بالجهة , فقد تنقلوا لمنطقة المخبئ بطريقة عادية, وتركهم العدو يتقدمون حتى إذا اقتربوا من مواقعه فاجأهم بإطلاق النار عليهم بصورة شديدة فقتل خمسة منهم, وأصاب قائد المجموعة بخمس رصاصات كاملة. فانسحب للوراء رغم إصاباته البليغة بعدها اكتشف المجاهدون الوضع المزري الذي فرض عليهم لكن رغم المفاجأة تداركت قيادة المجاهدين الموقف بسرعة. واتخذت القرارات اللازمة لتجنب حدوث كارثة, فقد تعصف بهم , وكانت أولى هذه القرارات هي :
- سرعة الانتشار عبر النقاط المميزة, واتخاذ الأوضاع القتالية قبل أن يتطور الوضع ويتعقد ويصبح حينها من الصعوبة بمكان السيطرة على مجري الأحداث أو التكهن بما سيؤول إليه الوضع بعد حين.
- أما العدو الذي كشف عن نفسه بالمنطقة فقد قام بتنفيذ الخطوات الأخرى من خطته الماكرة بدأها باحتلال القمم الواقعة في نطاق ميدان العمليات،وقد أمن هذا الحزام بجلب عناصر إسناد جديد بواسطة الطائرات العمودية من نوع(بنان)بلغ عددها خمسة عشر طائرة كانت ترد على المنطقة في مواجهات متلاحقة توجهها طائرة قيادة و توجيه من (لالوت) عندها اتضحت بصورة جلية ملامح خطة العدو وأبعادها, و تأكد لقيادة جيش التحرير خط سير الأحداث و اتجاهه, وبينما الحال هكذا إذا بالطائرات الحربية المختلفة من نوع ب 26 المقنبلة و ب 29 القاذفة. وطائرات الدعم و الاستطلاع من نوع ت,س و الكشافات تظهر فجأة في سماء المنطقة, وراحت تلحق على ارتفاعات متباينة, في انتظار أن تحدد الكشافة نطاق تواجد جيش التحرير و تحديده بواسطة قنابل دخانية تمهيدا لقنبلة من الجو كالعادة ولتمهيد الطريق أمام زحف جنود المشاة. و بالفعل تشجع جنود العدو في ظل هذا الحشد الهائل -الجوي و البري- وشرعوا في التقدم نحو مواقع المجاهدين الذين تحصنوا بالموانع الطبيعية و صمموا على قتال العدو مهما كانت قدرته , فاشتغلت المنطقة في قتال شرس و ضار استمر زهاء النصف ساعة, ولما تأكد لقيادة العدو استحالة الوصول إلى المجاهدين أو حتى الاقتراب من مواقعهم أمرت قواتها بالتراجع للخلف لتتيح للطيران مجال القنبلة, ولمدفعية الميدان لقصف مواقع جيش التحرير الوطني وتلقت مواقع المجاهدين العديد من الأطنان القنابل و القذائف بمختلف أنواعها ثم عاودت القوات البرية هجومها الثاني تحت الحماية الجوية التي أمنتها الطائرات الحربية . وتصدى المجاهدون كعادتهم لهده الحملة الشرسة وردودها على أعقابها وعاود العدو نفس السيناريو السابق و لكن صمود المجاهدين أفشل كل الخطط و المحاولات ..
وفي حدود الساعة الثالثة و النصف مساء, وبعد أن يئس العدو من جدوى خططه قام بتطوير عملياته, وقام سرب من الطائرات العمودية بعملية إنزال جديدة لرجال المظلات خلف خطوط دفاعات المجاهدين بغية ضربهم من الخلف ولشل قدرتهم, لكن المجاهدين كانوا في مستوى التحدي و على نفس التكتيك, إذ قامت إحدى فرق الكوماندو بالتصدي لهذه القوة وقتالها و تم تحجيم هذه المحاولة, و السيطرة عليها وخاصة بعد أن تم إسقاط طائرتين عموديتين, و تطور القتال فأصبح يجري بين الطرفين على الجبهتين البرية و الجهوية, وتواصل بكل عنف و ضراوة إلى غاية الساعة الخامسة حيث سجل هدوء نسبي , وبدأ الوضع يخف تدريجيا نتيجة انتشار الدخان المتولد عن القنبلة الجوية و القصف المدفعي و اتساع رقعته يشمل أغلب ميدان القتال فجب الرؤية الجيدة على الطرفين ثم ما لبث أن توقف القتال نهائيا باقتراب حلول الظلام فانسحب ما تبقى من المجاهدين حيا من ميدان القتال بطرق مبعثرة و في اتجاهات مختلفة متخذين من الدخان الذي عم المنطقة ستارا إلى أن حل ظلام الليل .

نتائج المعركة:
أ ) خسائر العدو :
-حسب المعلومات التي تجمعت في ما بعد من مختلف المصادر تشير إلى أن العدو قد خسر في هده المعركة عددا كبيرا من القتلى و الجرحى . أما المعلومات التي تم استيفاءها من أوساط العدو نفسه فتقول بأن العدو قد خسر حوالي 800 عسكري بين قتيل و جريح.
لكن مصادر قيادة الولاية الخامسة آنذاك فتحدد الرقم بحوالي 1000 عسكري بين قتيل و جريح .
-إسقاط 6 طائرات في ميدان المعركة لازالت بقايا لحد الآن(منها 3 عموديا و 2 من نوع ت , س و كشافة واحدة ).
أ) خسائر المجاهدين :
- سقط في ساحة الشرف خلال هذه المعركة 46 شهيد كان على رأس قائمة الشهداء قائد قوة الكوماندو قراوى محمد و نائبه الأول قائدة بن يونس .
- إصابة الباقين و عددهم 20 مجاهدا بجروح مختلفة .
- وهذه قائمة أسماء بعض شهداء هذه المعركة .
- قراوى محمد
- قادة بن يونس ولد أحمد –(أبوه شهيد أيضا )
- بن ابراهيم موسى
- البراني الميلود
- الساسي محمد
- بن الطيب الطيب

مصادر التحقيق كما وردت في مجلة 1 نوفمبر اللسان المركزي للمنظمة الوطنية للمجاهدين العدد 83 السنة 1987
- اعتمدنا في تسجيل وقائع هذه المعركة على المجاهد كحيل الطاهر النائب الثاني لقائد الكوماندو المدعو : الروكيت , وهو من مواليد أول أكتوبر 1934 بعين الصفراء , انضم لصفوف الثورة في عام 1956 بالقسم الأول كجندي بفوج لجيش التحرير الوطني , كان بقيادة المجاهد جلول جديد المدعو : عبد الكريم.
وقد شارك في معارك عديدة بالناحية و منها هذه المعركة الكبرى وارتقى في جيش التحرير حتى رتبة مساعد.
وبعد الاستقلال واصل نشاطه الشعبي إلى غاية شهر ماي 1966 حيث خرج من الجيش ثم توظف في شركة سوناطراك الذي لازال يعمل بها لحد الآن .


هناك 5 تعليقات:

Unknown يقول...

السلام عليكم كل ما ذكرته حقيقة لكن فيه بعض الغموض تحدثت مع أبي كان هناك معهم وتحروا على المجاهد صابري العيد يروي لكم كل ما دار حول جبال عين الصفراء ومازال حي لكن مريض

Unknown يقول...

كان ابي معهم انذاك الله يرحمه
عنذي مذكرة كتبتها عن شهداء جبل بني سمير
الله يرحمهم كلهم

Unknown يقول...

مااسم ابيك انا ذاك الله يرحمه

غير معرف يقول...

ممكن تفيدنا

غير معرف يقول...

صابري العيد