أمس ، رجعنا من الهامل حوالي الساعة الثالثة مساء ، بن علي وأنا.. في كل المرّات التي رأيت فيها (لالة زينب)، كان ينتابني إحساس بالتجدد، وبالطمأنينة وبسعا

أمس ، رجعنا من الهامل حوالي الساعة الثالثة مساء ، بن علي وأنا.. في كل المرّات التي رأيت فيها (لالة زينب)، كان ينتابني إحساس بالتجدد، وبالطمأنينة وبسعادة لا أعرف لها سببا واضحا. لقد قابلتها أمس مرّتين خلال الصبيحة، وكانت جد طيبّة وجد لطيفة معي، وأبدت سعادتها لمعاودة رؤيتي
قمنا بزيارة ضريح محمد بن بلقاسم، الصغير والبسيط ، في المسجد الكبير الذي سيكون بلا شك رائعا عند انتهاء بنائه. ثم قمنا بالدعاء في الجانب المقابل لمدفن الحجّاج المؤسسين للهامل. (..)
الهامل في الجنوب الشرقيّ، متماسك ويضمّ وديانا ممتدة وواسعة، لكنّه في الوسط يعرف انجرافات ينتصب في وسطها كهف شاهق، ويضمّ في الأفق جبلا مخروطيا، شبيها بالقميرة. في الخلف ينفتح، بغموض وشساعة سهل مزرقّ.. بيوت الشرفة المجاورة للزاوية لها حيطان عالية مبنية بالطوب. هذه البيوت لها شكل الحصون البابلية بما لها من مربعات متقابلة وأسطح مسطحة تطغى على الساحات الهندسية. أشجار اللوز التي تحتلّ الجنائن لم تزهر بعد.
أسطورة حجّاج الهامل تثير في رغبة الحلم. إنها حقا الأكثر قدسية في الجزائر..
هذه المذكرات التي بدأتها هناك، في أرض المنفى البغيضة، في أحلك فترات حياتي، وأكثرها ألما وشكا، وأكثرها خصوبة بعذابات حياتي، انتهت اليوم.
كل شيء في داخلي تغيّر جذريا..
منذ سنة، ها أنا من جديد على أرض إفريقيا المباركة التي لا أرغب في مغادرتها أبدا (..)
صمت ثقيل، صمت الجنوب، يخيّم على بوسعادة. يقينا في هذه المدينة النائية جدا عن حركة التلّ البلهاء، نحس بثقل الحركة المميّزة للجنوب. فليحفظ الله بوسعادة كما هي إلى الأبد! (..)
معقل سيدي محمد بلقاسم: في الأزمنة القديمة للشرفة، أولاد سي علي، بطن من أولاد بوزيد، من جبل عمور، وعندما كانوا عائدين من مكّة، وكان عددهم ثلاثة، وأثناء مرورهم بالمنطقة واصل أحدهم طريقه باتجاه الغرب، بينما استقرّ الآخران في جانب الجبل، وأسسوا الهامل.
في وقت يتميّز بالصفاء والإشعاع، خرجنا حوالي الساعة الثانية باتجاه الهامل. ضجر الأيام الماضية انزاح قليلا، أو لنقل تماما. بلا شكّ بعد عودتي سأرى بوسعادة بشكل أفضل.
(..) الطريق الذي يخرج من بوسعادة يِؤدي إلى أراض صخرية وجرداء، لا ينبت فيها إلا العرعر البري والأدغال الزاحفة، النباتات الشوكية التي لا ترعاها غير الجمال، الربى الرمادية التي تميل إلى الأمغر بها شعاب، وهي منضّدة أحيانا من أعلى إلى أسفل بخطوط بيضا . المشهد خشن وبائس (..)
انتهاء، في منعرج يظهر الهامل منقسما إلى اثنين، فهو مبني على ربوتين. الأولى شبه مخروطية، تحتضن قرية الشرفة، بطابعها الصحراوي، كلها بالطوب الغامق، وعلى الثانية الأكثر علوا، تنتصب الزاوية التي تشبه الحصن وهي ملبسة بالطوب ذي اللون الفاتح، الأبيض تقريبا

2010.11.28 عن يومية الفجر ليوم

ليست هناك تعليقات: